سورة النحل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}- قرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب، وكذلك في سورة العنكبوت، والآخرون بالياء، خبرا عن الذين مكروا السيئات- إلى ما خلق الله من شيء من جسم قائم، له ظل، {يَتَفَيَّأُ} قرأ أبو عمرو، ويعقوب بالتاء والآخرون بالياء. {ظِلالُهُ} أي: تميل وتدور من جانب إلى جانب، فهي في أول النهار على حال، ثم تتقلص، ثم تعود في آخر النهار إلى حال أخرى سجدا لله، فميلانها ودورانها: سجودها لله عز وجل. ويقال للظل بالعشي: فيء؛ لأنه فاء، أي: رجع من المغرب إلى المشرق، فالفيء الرجوع. والسجود الميل. ويقال: سجدت النخلة إذا مالت.
قوله عز وجل: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ} قال قتادة والضحاك: أما اليمين: فأول النهار، والشمال: آخر النهار، تسجد الظلال لله.
وقال الكلبي: الظل قبل طلوع الشمس عن يمينك وعن شمالك وقدامك وخلفك، وكذلك إذا غابت، فإذا طلعت كان من قدامك، وإذا ارتفعت كان عن يمينك، ثم بعده كان خلفك، فإذا كان قبل أن تغرب الشمس كان عن يسارك، فهذا تفيؤه، وتقلبه، وهو سجوده.
وقال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله.
وقيل: المراد من الظلال: سجود الأشخاص.
فإن قيل لم وحد اليمين وجمع الشمائل؟
قيل من شأن العرب في اجتماع العلامتين الاكتفاء بواحدة، كقوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} [البقرة- 7]، وقوله: {يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة- 257].
وقيل: اليمين يرجع إلى قوله: {ما خلق الله}. ولفظ {ما} واحد، والشمائل: يرجع إلى المعنى.
{وَهُمْ دَاخِرُونَ} صاغرون. {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} إنما أخبر بما لغلبة ما لا يعقل على من يعقل في العدد، والحكم للأغلب كتغليب المذكر على المؤنث، {مِنْ دَابَّةٍ} أراد من كل حيوان يدب. ويقال: السجود: الطاعة، والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد، قال الله تعالى: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت- 11].
وقيل: سجود الأشياء تذللها وتسخرها لما أريدت له وسخرت له.
وقيل: سجود الجمادات وما لا يعقل: ظهور أثر الصنع فيه، على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه، قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق} [فصلت- 53].
{وَالْمَلائِكَةُ} خص الملائكة بالذكر مع كونهم من جملة ما في السموات والأرض تشريفا ورفعا لشأنهم.
وقيل: لخروجهم من الموصوفين بالدبيب إذ لهم أجنحة يطيرون بها.
وقيل؛ أراد: ولله يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة، وتسجد الملائكة. {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}.


{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} كقوله: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام- 18].
{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا محمد بن سمعان، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الشعراني، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك يمجد الله، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولصعدتم إلى الصعدات تجأرون»، قال أبو ذر: «يا ليتني كنت شجرة تعضد». رواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع، عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل وقال: «إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله».
قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ} الطاعة والإخلاص {وَاصِبًا} دائما ثابتا.
معناه: ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلاك، غير الله عز وجل، فإن الطاعة تدوم له ولا تنقطع.
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} أي: تخافون، استفهام على طريق الإنكار.


قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} أي: وما يكن بكم من نعمة فمن الله، {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} القحط والمرض، {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} تضجون وتصيحون بالدعاء والاستغاثة.
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}. {لِيَكْفُرُوا} ليجحدوا، وهذه اللام تسمى لام العاقبة، أي: حاصل أمرهم هو كفرهم {بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم من النعماء وكشف الضراء والبلاء، {فَتَمَتَّعُوا} أي: عيشوا في الدنيا المدة التي ضربتها لكم، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة أمركم. هذا وعيد لهم. {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ} له حقا، أي: الأصنام، {نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الأموال، وهو ما جعلوا للأوثان من حروثهم وأنعامهم، فقالوا: هذا لله بزعمهم، وهذا لشركائنا.
ثم رجع من الخبر إلى الخطاب فقال: {تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ} يوم القيامة، {عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} في الدنيا. {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} وهم خزاعة وكنانة، قالوا: الملائكة بنات الله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} أي: ويجعلون لأنفسهم البنين الذين يشتهونهم، فتكون {ما} في محل النصب، ويجوز أن تكون على الابتداء فتكون {ما} في محل الرفع. {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} متغيرا من الغم والكراهية، {وَهُوَ كَظِيمٌ} وهو ممتلئ حزنا وغيظا فهو يكظمه أي: يمسكه ولا يظهره.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9